جماعة التحليل النفسي يرون ان شعور الطفل بالحب نحو أمه لأنه يقرنها بتجربة الإطعام الملذة. أما بالنسبة لنظريي التعلم فإن إرضاء الدافع الأولى من جانب الأم أثناء إطعامها وليدها، يدفع الأخير ليكون دافعاً ثانوياً يتمثل بتقربه من الأم واتكاليته عليها. ويضيف هؤلاء بأن الاهتمام الاجتماعي المصاحب لحب الولد لأمه واتكاليته يتعمم نحو الناس الآخرين.
دفعت تلك النظريات غالبية علماء النفس، ولسنوات عديدة الى التمييز بين الدوافع الأولية (البيولوجية) من جهة والدوافع الثانوية (الاجتماعية) من جهة ثانية. إلا إنه قامت بدءاً من عام 1960، نظريات جديدة رأت أن الاهتمام الاجتماعي دافع إنساني متميز وأولي.
يعتقد بولبي، الذي يعد من أهم الآخذين بالنظريات الحديثة أن التعلق بالآخر ينبعث من سلوك التأثير والتوجيه، ومن الاهتمام الشخصي الذي يوليه الآخرون. فالاستجابات الاجتماعية من جانب الراشدين هي التي تشكل السلوك التعبيري للناشئ في أنماط من التعلق التبادلي. تميل نتائج الدراسات العلمية لترجيح وجهة نظر بولبي على النظريات التقليدية الأميل للأخذ بنظرية أرواء الحاجة في تفسير النمو الاجتماعي. وهكذا، فعندما يتعلق أبناء التعاونيات الاشتراكية بوالديهم الذين يداعبونهم لفترة قصيرة كل يوم، وليس بمن يطعمهم ، فإنهم إذا يبدون الإثارة الاجتماعية وهذا يتعارض مع الاتجاه القائل بأن الحاجات البيولوجية هي التي تقود الى نمو روابط اجتماعية وثيقة.
يقدم عمل هارلو في مجال الحيوان دعماً جديداً لتلك النظرية، إذ قد أبدت صغار القردة تعلقاً بالآخر على الرغم من أنه لم يطعمها. وقد وضعت القردة، في تجربة هارلو مع نوعين من ام حديدية تتكون الأولى من أسلاك معدنية والثانية من أسلاك معدنية مغطاة بالقماش. وكان لكل منها زجاجة إرضاع في صدرها يستطيع الصغار تناول طعامهم منها. مالت كل القردة للتعلق بالأم الحديدية المغطاة. وعندما وضع شكل مرعب في القفص هربت صغار القردة من كلتا التجربتين للاحتماء بالأم القماشية (هارلو، 1959).
يعمل تأثير الأدلة العلمية في مجال الإنسان والحيوان على دفع الكثيرين من جماعة التحليل النفسي ونظريي التعلم باتجاه نظرية بولبي، فيميل بعض جماعة التحليل النفسي اليوم الى اعتبار أن الطفل ينزع بالفطرة للبحث عن الأشياء، بحيث يبدو الدافع الاجتماعي وكأنه يصدر تلقائياً عن الكائن وليس كنتيجة للدافع الحيوي. يأخذ الاستنتاج المشار إليه أهمية خاصة في مجال تشكيل الحيط للاهتمامات الاجتماعية التي تبرز خلال عملية نمو الفرد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق