هكذا يربينا النبي (الثقة بالله واللجوء إليه )
ان الله سبحانه وتعالي هو الذي يعطي ويمنع ويرفع ويخفض لقوله تعالي : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
فإذا كان كل شيء بيد الله ، فأحرى بنا أن نقصده وحده لا شيء غيره .
ويخبرنا القرآن الكريم أن أنبياء الله جميعاً كانوا خِيرة الناس الذين توكلوا على الله في دعوتهم إليه سبحانه ، فكان لهم العونَ ونصرهم على أعدائهم ، وأقرّ أعينهم ، وجعلهم قدوة الناس .
فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علمه ربه أن يلجأ إليه ويستعيذَ به من شر خلقه : ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )
وايضا قوله تعالي ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ )
وإن حاول الشيطان صرف القلوب عن الحق والذكر ، استعاذ المسلم منه بالله سبحانه :( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
وهذا موسى عليه السلام يستعيذ بالله من الكفار المعاندين :( وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ ) .
ويعيش المسلم هادىء النفس حين يلجأ إلى الله من وسوسات الشياطين وفسادهم :(وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) وهذه مريم العذراء دخل عليها جبريل ، فاستعاذت بالله من أمرٍ قد يسيء إليها :( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ) .
ودعا إبراهيم عليه السلام قومَه إلى عبادة الله سبحانه وحده ، فأبوا ذلك فخوّفهم عذابه وبطشه :( فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ) .
وقيل : إن جبريل عليه السلام نزل على إبراهيم وقومُه يجهّزون لإحراقه فقال له : سل حاجتك ، قال إبراهيم : أما إليك فلا ! وأما إليه سبحانه فعلمه بحالي يغني عن سؤالي ، فجاء الفرج من الله تعالى :( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، إنها ثقة بالله عظيمة ، يحتاج إليها الدعاة إلى الله في مسيرتهم الدعويّة ليكون الله عوناً له وسنداً .
بل إنه عليه السلام يعلنها صراحة معتمداً على الله لاجئاً إليه ( قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ) .
ولما بشرته الملائكة بإسحاق (( قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) .صدق سيدنا إبراهيم ، فالمؤمن لا ييئس من رحمة ربّه أبداً ، فهو يثق بنصره وتأييده ما دام معه .وهذا ابنه اسماعيل عليه السلام مؤمنٌ بالله ، راض بقدره ، واثقٌ بحكمته ، فلما أراد أبوه أن يذبحه كان صبرُه في الله مثالاً رائعاً يُحتذى وثقته فيه لاحدود لها :(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) وهذا مؤمن آل فرعون آمن بموسى واجتهد في نصرته ، وبذل جهده ، وناصبوه العداء ، ومكروا به لكنه لجأ إلى ربه ، فكان له الأمن والأمان : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)
وهذا سيدنا نوح يدعو الناس إلى عبادة الله ، ويحثهم على تقوى الله وطاعته ، لكنهم أبَوْا هذا ، وكيف يؤمنون وأراذل القوم ـ حسب اعتقادهم ـ تبعوا نوحاً ؟ فلو طردهم لربما تبعوه !! . . ولكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبى طرد المؤمنين فهدده قومه بالرجم ، فلجأ إلى ربه ( قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ) .وهذا فرعون يستقبل السحرة ، ويعدهم بالمال الوافر والمناصب الرفيعة إن هم عَلَوْا بسحرهم على موسى ، ولكنْ أنّى لسحرِ البشر أن يغلب أمرَ الله ؟! فلما لقَفَتْ عصا موسى سحرهم أيقنوا أنه لم يغلبهم بسحر ، فما لأحد بهم من قوة إنما غلبتهم قوة الله التي أيَّدَتْ موسى : ( فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) .فماذا فعل السحرة ؟ هل خافوا وعادوا يعتذرون إلى الجبار المتغطرس أو سكتوا مذعورين ؟ لا هذا ولا ذاك إنما ( قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ )
هكذا يكون الإيمان ، وهكذا تكون الثقة في الله .
وهذا يعقوب عليه السلام لم يصدق أن ابنه الثاني قد سرق على الرغم من الاستشهادات التي قدّمها أولاده له ، إنما وكل أمره إلى الله تعالى ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) وجعلته ثقته في الله ، ينتظر ظهور يوسف وأخيه .
فلما ابيضت عيناه من الحزن وعاتبه أبناؤه على ذلك ، أجابهم بلهجة المؤمن الواثق بربه المتكل عليه ( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) فكان ما قاله حكمةً تنير الدرب للسالكين . . إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون ؛ !! .
فالثقة بالله ، واللجوء إليه سبيل المؤمنين ، وزاد المتقين ، وأمان الخائفين ، وأمل العاملين نسأل الله تعالى أن نكون منهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق